(ليلى الحلوة) امرأة مغربية، أصيبت بالمرض الخبيث (السرطان)، فعجز الأطباء عن علاجها، ففقدت الأمل إلا بالله الذي لم تكن تعرفه من قبل، فتوجهت إليه في بيته الحرام، وهناك كان الشفاء، والآن -عزيزي القارئ- أتركك مع الأخت ليلى لتروي تفاصيل قصتها بنفسها، فتقول:
منذ تسع سنوات أصبتُ بمرض خطير جداً، وهو مرض السرطان، والجميع يعرف أن هذا الاسم مخيف جداً وهناك في المغرب لا نسميه السرطان، وإنما نسميه (الغول) أو (المرض الخبيث).
أصبتُ بالتاج الأيسر، وكان إيماني بالله ضعيفاً جداً، كنتُ غافلة عن الله تعالى، وكنت أظن أن جمال الإنسان يدوم طوال حياته، وأن شبابه وصحته كذلك، وما كنت أظن أبداً أني سأصاب بمرض خطير كالسرطان، فلما أصبتُ بهذا المرض زلزلني زلزالاً شديداً، وفكرت في الهروب، ولكن إلى أين؟! ومرضي معي أينما كنت، فكرت في الانتحار، ولكني كنتُ أحب زوجي وأولادي، وما فكرت أن الله سيعاقبني إذا انتحرت، لأني كنت غافلة عن الله كما أسلفت.
وأراد الله سبحانه وتعالى أن يهديني بهذا المرض، وأن يهديني بي كثيراً من الناس فبدأت الأمور تتطور.
لما أصبتُ بهذا المرض رحلت إلى بلجيكا، وزرت عدداً من الأطباء هناك، فقالوا لزوجي لابدّ من إزالة الثدي.. وبعد ذلك استعمال أدوية حادّة تُسقط الشعر وتزيل الرموش والحاجبين، وتعطي لحية على الوجه، كما تسقط الأظافر والأسنان، فرفضتُ رفضاً كلياً، وقلت: إني أفضل أن أموت بثديي وشعري وكل ما خلق الله بي ولا أشوّه، وطلبتُ من الأطباء أن يكتبوا لي علاجاً خفيفاً ففعلوا. فرجعتُ إلى المغرب، واستعملتُ الدواء فلم يؤثر علىّ ففرحتُ بذلك، وقلت في نفسي: لعل الأطباء قد أخطئوا، وأني لم أصب بمرض السرطان.
ولكن بعد ستة أشهر تقريباً، بدأت أشعر بنقص في الوزن، لوني تغير كثيراً وكنت أحس بالآلام، كانت معي دائماً، فنصحني طبيبي في المغرب أن أتوجه إلى بلجيكا، فتوجهت إلى هناك.
وهناك، كانت المصيبة، فقد قال الأطباء لزوجي: إن المرض قد عمّ، وأصيبت الرئتان، وأنهم الآن ليس لديهم دواء لهذه الحالة.. ثم قالوا لزوجي من الأحسن أن تأخذ زوجتك إلى بلدها حتى تموت هناك.
فُجِعَ زوجي بما سمع، وبدلاً من الذهاب إلى المغرب ذهبنا إلى فرنسا حيث ظننا أننا سنجد العلاج هناك، ولكنا ولم نجد شيئاً، وأخيراً حرصنا على أن نستعين بأحد هناك لأدخل المستشفى وأقطع ثديي وأستعمل العلاج الحاد.
لكن زوجي يذكر شيئاً كنا قد نسيناه، وغفلنا عنه طوال حياتنا، لقد ألهم الله زوجي أن نقوم بزيارة إلى بيت الله الحرام، لنقف بين يديه سبحانه ونسأله أن يكشف ما بنا من ضرّ، وذلك ما فعلنا.
خرجنا من باريس ونحن نهلل ونكبر، وفرحتُ كثيراً لأنني لأول مرة سأدخل بيت الله الحرام، وأرى الكعبة المشرفة، واشتريتُ مصحفاً من مدينة باريس، وتوجهنا إلى مكة المكرمة.
وصلنا إلى بيت الله الحرام، فلما دخلنا ورأيتُ الكعبة بكيتُ كثيراً لأنني ندمت على ما فاتني من فرائض وصلاة وخشوع وتضرع إلى الله، وقلت: يا رب.. لقد استعصى علاجي على الأطباء، وأنت منك الداء ومنك الدواء، وقد أغلقتْ في وجهي جميع الأبواب، وليس لي إلا بابك فلا تغلقه في وجهي وطفتُ حول بيت الله، وكنت أسأل الله كثيراً بأن لا يخيبني، وأن يخذلني، وإن يحيّر الأطباء في أمري.
وكما ذكرت آنفاً، فقد كنت غافلة عن الله، جاهلة بدين الله، فكنت أطوف على العلماء والمشايخ الذين كانوا هناك، وأسألهم أن يدلوني على كتب وأدعية سهلة وبسيطة حتى أستفيد منها، فنصحوني كثيراً بتلاوة كتاب الله والتضلع من ماء زمزم -والتضلع هو أن يشرب الإنسان حتى يشعر أن الماء قد وصلى أضلاعه- كما نصحوني بالإكثار من ذكر الله، والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم.
شعرت براحة نفسية واطمئنان في حرم الله، فطلبتُ من زوجي أن يسمح لي بالبقاء في الحرم، وعدم الرجوع إلى الفندق، فأذن لي.
وفي الحرم كان بحواري بعض الأخوات المصريات والتركيات كنَّ يرينني أبكي كثيراً، فسألنني عن سبب بكائي فقلت: لأنني وصلتُ إلى بيت الله، وما كنت أظن أني سأحبه هذا الحب، وثانياً لأنني مصابة بالسرطان.
فلازمنني ولم يكن يفارقنني، فأخبرتهن أنني معتكفة في بيت الله، فأخبرن أزواجهن ومكثن معي، فكنا لا ننام أبداً، ولا نأكل من الطعام إلا القليل، لكنا كنا نشرب كثيراً من ماء زمزم، والنبي صلى الله عليه وسلم، يقول: (ماء زمزم لما شرب له)، إن شربتَه لتشفى شفاك الله، وإن شربته لظمأك قطعه الله، وإن شربته مستعيذاً أعاذك الله، فقطع الله جوعنا، وكنا نطوف دون انقطاع، حيث نصلي ركعتين ثم نعاود الطواف، ونشرب من ماء زمزم ونكثر من تلاوة القرآن، وهكذا كنا في الليل والنهار لا ننام إلا قليلاً، عندما وصلتُ إلى بيت الله كنت هزيلة جداً، وكان في نصفي الأعلى كثير من الكويرات والأورام، التي تؤكد أن السرطان قد عمّ جسمي الأعلى، فكنّ ينصحنني أغسل نصفي الأعلى بماء زمزم، ولكني كنت أخاف أن ألمس تلك الأورام والكويرات، فأتذكر ذلك المرض فيشغلني ذلك عن ذكر الله وعبادته، فغسلته دون أن ألمس جسدي.
وفي اليوم الخامس ألحّ عليّ رفيقاتي أن أمسح جسدي بشيء من ماء زمزم فرفضتُ في بداية الأمر، لكني أحسستُ بقوة تدفعني إلى أن آخذ شيئاً من ماء زمزم وأمسح بيدي على جسدي، فخفت في المرة الأولى، ثم أحسست بهذه القوة مرة ثانية، فترددت ولكن في المرة الثالثة ودون أن أشعر أخذت يدي ومسحت بها على جسدي وثديي الذي كان مملوءاً كله دماً وصديداً وكويرات، وحدث ما لم يكن في الحسبان، كل الكويرات ذهبت ولم أجد شيئاً في جسدي، لا ألماً ولا دماً ولا صديداً.
فاندهشتُ في أول الأمر، فأدخلت يدي في قميصي لأبحث عما في جسدي فلم أجد شيئاً من تلك الأورام، فارتعشتُ، ولكن تذكرتُ أن الله على كل شيء قدير، فطلبت من إحدى رفيقاتي أن تلمس جسدي، وأن تبحث عن هذه الكويرات، فصحن كلهن دون شعور: الله أكبر الله أكبر.
فانطلقتُ لأخبر زوجي، ودخلتُ الفندق، فلما وقفتُ أمامه مزقتُ قميصي وأنا أقول، انظر رحمة الله، وأخبرته بما حدث فلم يصدق ذلك، وأخذ يبكي ويصيح بصوت عالٍ ويقول: هل علمتِ أن الأطباء أقسموا على موتك بعد ثلاثة أسابيع فقط؟ فقلت له: إن الآجال بيد الله سبحانه وتعالى ولا يعلم الغيب إلا الله.
مكثنا في بيت الله أسبوعاً كاملاً، فكنت أحمد الله وأشكره على نعمه التي لا تُحصى، ثم زرنا المسجد النبوي بالمدينة المنورة ورجعنا إلى فرنسا.
وهناك حار الأطباء في أمري واندهشوا وكادوا يُجنّون، وصاروا يسألونني هل أنت فلانة؟! فأقول لهم: نعم –بافتخار- وزوجي فلان، وقد رجعت إلى ربي، وما عدت أخاف من شيء إلا من الله سبحانه، فالقضاء قضاء الله، والأمر أمره.
فقالوا لي: إن حالتك غريبة جداً وإن الأورام قد زالت، فلابد من إعادة الفحص.
أعادوا فحصي مرة ثانية فلم يجدوا شيئاً وكنت من قبل لا أستطيع التنفس من تلك الأورام، ولكن عندما وصلت إلى بيت الحرام وطلبت الشفاء من الله ذهب ذلك عني.
بعد ذلك كنتُ أبحث عن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وعن سيرة أصحابه رضي الله عنهم وأبكي كثيراً، كنت أبكي ندماً على ما فاتني من حُب الله ورسوله، وعلى تلك الأيام التي قضيتها بعيدة عن الله عز وجل، وأسأل الله أن يقبلني وأن يتوب عليّ وعلى زوجي وعلى جميع المسلمين.